ربَّ بسمة تحملها الى طفل صغير، أحب إلى الله من ركعات تقوم بها بظلمات الليل البهيم
رُوِيَ
أَنَّ صَاحِباً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علي بن ابي طالب-رضي الله عنه- يُقَالُ
لَهُ (هَمَّامٌ) كَانَ رَجُلًا عَابِداً .فَقَالَ لَهُ:
يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ .
فَتَثَاقَلَ
امير المؤمنين عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ
:
...يَا
هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَ أَحْسِنْ فاِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ
الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ .
فَلَمْ
يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ
فَحَمِدَ
اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا
بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ
غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ .آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ .لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ
مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ .وَلَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ. فَقَسَمَ
بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ. وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ .
فَالْمُتَّقُونَ
فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ:
مَنْطِقُهُمُ
الصَّوَابُ. وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ .وَ مَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ. غَضُّوا
أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
..وَ
وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ. نُزِّلَتْ
أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ .وَ
لَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ
فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ. شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ
الْعِقَابِ.
عَظُمَ
الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ .فَهُمْ وَ
الْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا .فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ .وَ هُمْ وَ النَّارُ
كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ .
قُلُوبُهُمْ
مَحْزُونَةٌ .وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ. وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ. وَ
حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ. وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ. صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً
أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً.
تِجَارَةٌ
مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ
يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا.
..
أَمَّا اللَّيْلَ
فَصَافُّونَ
أَقْدَامَهُمْ. تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا.
يُحَزِّنُونَ
بِهِ أَنْفُسَهُمْ .وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ.
فَإِذَا
مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ
نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً. وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ .
وَ
إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ
قُلُوبِهِمْ .وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ
آذَانِهِمْ .فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ. مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ
أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ .يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ .
..وَأَمَّا
النَّهَارَ
فَحُلَمَاءُ
عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ .قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ .يَنْظُرُ
إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى .وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ.
وَ يَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا .وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا
يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ .وَ لَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ.
فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ. وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ .إِذَا
زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ. فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ
بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي .وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي. اللَّهُمَّ لَا
تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ .وَ اجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ .وَ
اغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ
فَمِنْ
عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ :
أَنَّكَ
تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ .وَ حَزْماً فِي لِينٍ .وَ إِيمَاناً فِي يَقِينٍ .وَ
حِرْصاً فِي عِلْمٍ. وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ .وَ قَصْداً فِي غِنًى. وَ خُشُوعاً
فِي عِبَادَةٍ .وَ تَجَمُّلًا فِي فَاقَةٍ .وَ صَبْراً فِي شِدَّةٍ. وَ طَلَباً
فِي حَلَالٍ .وَ نَشَاطاً فِي هُدًى .وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ .
...يَعْمَلُ
الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ. يُمْسِي وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ.
وَ يُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّكْرُ. يَبِيتُ حَذِراً .وَ يُصْبِحُ فَرِحاً .حَذِراً
لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ .وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ
الرَّحْمَةِ .
...إِنِ
اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا
تُحِبُّ. قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لَا يَزُولُ .وَ زَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَبْقَى.
يَمْزُجُ
الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ.وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ. تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ .قَلِيلًا
زَلَلُهُ .خَاشِعاً قَلْبُهُ.قَانِعَةً نَفْسُهُ .مَنْزُوراً أَكْلُهُ. سَهْلًا
أَمْرُهُ .حَرِيزاً دِينُهُ .مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ .مَكْظُوماً غَيْظُهُ . الْخَيْرُ
مِنْهُ مَأْمُولٌ. وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ.
...إِنْ
كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ. وَ إِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ
لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ. يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ .وَ يُعْطِي مَنْ
حَرَمَهُ .وَ يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ .بَعِيداً فُحْشُهُ .لَيِّناً قَوْلُهُ .غَائِباً
مُنْكَرُهُ .حَاضِراً مَعْرُوفُهُ. مُقْبِلًا خَيْرُهُ .مُدْبِراً شَرُّهُ . فِي
الزَّلَازِلِ وَقُورٌ. وَ فِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ. وَ فِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ.
...لَا
يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ .وَ لَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ
بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ . لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ .وَ لَا
يَنْسَى مَا ذُكِّرَ.
وَ
لَا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ. وَ لَا يُضَارُّ بِالْجَارِ .وَ لَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ.
وَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ. وَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ .إِنْ صَمَتَ لَمْ
يَغُمَّهُ صَمْتُهُ. وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ .وَ إِنْ بُغِيَ
عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ .
...نَفْسُهُ
مِنْهُ فِي عَنَاءٍ. وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ. أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ
.وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ.
بُعْدُهُ
عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَةٌ .وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ
لِينٌ وَ رَحْمَةٌ. لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَ عَظَمَةٍ .وَ لَا دُنُوُّهُ
بِمَكْرٍ وَ خَدِيعَةٍ .
قَالَ
: فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ:
أَمَا
وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَ هَكَذَا تَصْنَعُ
الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا ، ....فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : فَمَا بَالُكَ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ،
فَقَالَ:
وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا يَعْدُوهُ وَ سَبَباً لَا
يَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ
عَلَى لِسَانِكَ .
*******************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق