لما أصاب رسول الله الغنائم يوم حنين ، وقسم للمتألفين
من قريش وسائر
العرب ما قسم ، ولم يكن في الأنصار شيء منها ، قليل ولا كثير
فقال قائل الأنصار : ألا ! إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد لقي قومه
.
فانطلق سعد بن عبادة فدخل على
رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال :
" يا رسول الله ! الأنصار قد وجدوا في أنفسهم مما رأوك صنعت في هذه
العطايا "
قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟
قال : ما أنا إلا رجل من قومي!
قال : فاجمع لي قومك في هذه
الحظيرة ،
فخرج سعد فنادى في قومه : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم أن
تجتمعوا في هذه الحظيرة .
.... فقاموا سراعاً و قام سعد على باب الحظيرة فلم يدخلها إلا رجل من
الأنصار و قد رد
أناساً
ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم
فقال : هذه الأنصار قد اجتمعت لك .
فخرج إليهم رسول الله صلى الله
عليه و سلم و قال :_
" يا معشر الأنصار ! ما مقالة بلغتني عنكم ؟ أكثرتم فيها ! ألم
تكونوا ضلالا فهداكم الله ؟ ألم تكونوا
عالة فأغناكم الله ؟ ألم تكونوا أعداء فألف
الله بينكم ؟"
قالوا : بلى ،
قال :" أفلا تجيبوني ؟ "
قالوا : إليك المن و الفضل ،
قال :" أما و الله لو شئتم
لقلتم و صدقتم : جئتنا طريداً فآويناك ، و مخذولاً فنصرناك ، و عائلاً فآسيناك ،
و
مكذباً فصدقناك !.
أوجدتم في أنفسكم من لعاعة من
الدنيا تألفت بها قوماً أسلموا و و كلتكم إلى إيمانكم
.
أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة و
البعير و تذهبون برسول الله إلى رحالكم ! .
فالذي نفس محمد بيده ! لو سلك الناس وادياً و سلكت الأنصار شعباً لسلكت
شعب الأنصار . و
لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، إن الأنصار كرشي و عيتبي .
اللهم اغفر للأنصار و أبناء
الأنصار و لأبناء أبنائهم ! "
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم .
و قالوا : رضينا بالله و برسوله حظاً و قسماً و نصيباً ! ثم تفرق الأنصار
.
************
هاشم الرفاعي –وصية لاجئ
أنا يا
بُنيَّ غدا سيطوينـي الغسـق
|
لم يبق
من ظل الحياة سوى رمـق
|
وحطام
قلب عاش مشبـوبَ القلـق
|
قد أشرق
المصباح يومـا واحتـرق
|
جفَّـت
بـه آمالـه حتـى اختنـق
|
..
|
فإذا
نفضت غبار قبري عـن يـدك
|
ومضيت
تلتمس الطريق إلى غـدك
|
..
|
فاذكر
وصية والد تحـت التـراب
|
سلبـوه
آمـال الكهولـة والشبـاب
|
* * *
|
مأساتنـا
مأسـاة ناس أبريـاء
|
وحكاية
يغلـي بأسطرهـا الشقـاء
|
حملت إلى
الآفـاق رائحـة الدمـاء
|
و جريمتي
كانت محاولة البقاء
|
أنا ما
اعتديت ولا ادخرتك لاعتداء
|
..
|
لكـن
لـثـأر نبـعـه دام هـنـا
|
بين
الضلوع جعلتـه كـل المنـى
|
..
|
وصبغت
أحلامي به فوق الهضـاب
|
وظمئت
عمري ثم مت بلا شـراب
|
* * *
|
كانت
لنـا دار وكـان لنـا وطـن
|
ألقت بـه
أيـدي الخيانـة للمحـن
|
وبذلـت
فـي إنقـاذه أغلـى ثمـن
|
بيدي
دفنت أخـاك فيه بـلا كفـن
|
إلا
الدماء ومـا ألـم بـي الوهـن
|
..
|
إن كنت
يوما قـد سكبـت الأدمعـا
|
فلأننـي
حمِّلـت فقدهـمـا مـعـا
|
..
|
جرحان في
جنبي ثكـل واغتـراب
|
ولد
أُضِيع وبلـدة رهـن العـذاب
|
* * *
|
تلك
الربوع هناك قد عرفتك طفـلا
|
يجني
السنا والزهر حين يجوب حقلا
|
فاضت
عليك رياضها ماء وظـلا
|
واليوم
قد دهمت لك الأحداث أهـلا
|
ومروجك
الخضراء تحني الهام ذلا
|
..
|
هم
أخرجوك فعد إلى من أخرجـوك
|
فهناك
أرض كان يزرعهـا أبـوك
|
..
|
قد ذقت
من أثمارها الشهـدَ المـذاب
|
فـإلامَ
تتركهـا لألسنـة الحـراب
|
* * *
|
حيفا تئن
أما سمعـت أنيـن حيفـا
|
وشممت عن
بعد شذى الليمون صيفا
|
تبكي إذا
لمحت وراء الأفْـق طيفـا
|
سألته عن
يوم الخلاص متى وكيفـا
|
هي لا
تريدك أن تعيش العمر ضيفا
|
..
|
فوراءك
الأرض التي غذت صباك
|
وتود
يوما فـي شبابـك أن تـراك
|
..
|
لم تنسها
إيـاك اهـوال المصـاب
|
ترنو
ولكن مـلء نظرتهـا عتـاب
|
* * *
|
إن جئتها
يوما وفي يـدك السـلاح
|
وطلعت
بين ربوعها مثل الصبـاح
|
فاهتف
سلي سمع الروابي والبطـاح
|
أنِّي
أنا الأمس الذي ضمََدَ الجـراح
|
لبيك يا
وطني العزيـز المستبـاح
|
..
|
أولستَ
تذكرنـي أنـا ذاك الغـلام
|
من
أحرقوا مأواه في جنـح الظـلام
|
..
|
بلهيب
نار حولها رقـص الذئـاب
|
لفَّت
صبـاه بالدخـان وبالضبـاب
|
* * *
|
سيحدثونك
يـا بُنـيَّ عـن السـلام
|
إياك أن
تصغي إلـى هـذا الكـلام
|
كالطفل
يخدع بالمنـى حتـى ينـام
|
لا سِلمَ
أو يجلو عن الوجه الرغـام
|
صدقتهـم
يومـا فآوتنـي الخيـام
|
..
|
وغدا
طعامي من نـوال المحسنيـن
|
يلقى إلي
.. إلى الجيـاع اللاجئيـن
|
..
|
فسلامهـم
مكـر وأمنهـمُ سـراب
|
نشر
الدمار على بلادك والخـراب
|
* * *
|
لا
تبكينَّ فما بكـت عيـن الجنـاة
|
هي قصة
الطغيان من فجر الحيـاة
|
فارجع
إلى بلد كنوز أبـي حصـاه
|
قد كنت
أرجو أن أموت على ثـراه
|
أمل ذوى
ما كان لـي أمـل سـواه
|
..
|
فإذا
نفضت غبار قبري عـن يـدك
|
ومضيت
تلتمس الطريق إلى غـدك
|
..
|
فاذكر
وصية والد تحـت التـراب
|
سلبـوه
آمـال الكهولـة والشبـاب
|